بدأ تنظيم "داعش" المتطرف ومنذ أشهر بالبحث جديا عن خيارات بديلة تؤمن استمراره بعد خسارته عدد كبير من المدن التي يسيطر عليها في العراق وسوريا، وأبرزها الموصل، وترقبه سقوط ما أسماها "عاصمة الخلافة" في العام 2014، الرقة السورية. الا أن عملية البحث هذه لا تتم كما ترغب قيادته، التي، تنشغل حاليا باستيعاب الانهيار الكبير الضارب في صفوفه مع تضييق الخناق عليه في الرقة، وانشقاق عدد كبير من عناصره جراء اقتناعهم بأن أيام التنظيم ولّت، وان سقوط "العاصمة" ستعني النهاية الحتمية.
فبحسب أكثر من مصدر يتابع عن كثب حركة التنظيم، فان "داعش" نقل في الايام القليلة الماضية معظم المهاجرين أو العناصر الأجانب الذي ينتمون اليه الى محافظة دير الزور، وجمّع كل أنصاره في الرقة وسلّحهم لخوض المعركة المقبلة، وهو ما أدّى لاستياء عارم في صفوف هؤلاء الذين كانوا يفضلون الانسحاب مع المهاجرين الى دير الزور، وهو ما انسحب سلسلة من الانشقاقات في ظل تفجر الخلاف بين عناصره القادمين من المغرب العربي وأولئك الذين قدموا من الخليج.
ويسعى "داعش" حاليا وبعكس ما كان يفعل طوال السنوات الماضية حين أمعن بالتنكيل بالمدنيين، بكسب ودّهم محاولا اقناعهم بأنّه يحميهم من "الحملة الصليبية المقبلة"، وهو بات يوزّع السلاح على النساء والأطفال والرجال ويحثّهم على المقاومة.
الا أنّه ووفق المصادر نفسها، فالقيادة الداعشية مقتنعة بأن الخسارة مقبلة في الرقة لا محال، لكنّها لا تضع سيناريو الانسحاب على الطاولة نظرا لرمزية "عاصمة الخلافة"، وتُعد عناصرها لمعركة "حياة او موت" في الوقت الذي تبحث فيه عن خيارات لاستيعاب الهزيمة من دون رفع الراية البيضاء واعلان انهيار "دولة داعش".
ولا شك فان محافظة دير الزور ستكون "المأوى" المقبل لعناصر التنظيم الهاربين من الموصل والرقة وغيرها من المناطق والمدن السورية والعراقية على حد سواء، وان كان بعض المراقبين لحركة "داعش" يرجّحون أن يتخذها عاصمة بديلة له عن الرقة بعد طرد قوات النظام السوري من أجزاء بسيطة تسيطر عليها، الا أن معنيين بالملف يؤكدون أن دير الزور ستكون الحلقة الأخيرة، باعتبار ان لا حاضنة شعبية للتنظيم هناك على الاطلاق، في ظل تنامي "المقاومة" بين الأهالي بعكس ما كان حاصل في الرقة.
ولا تبدو الخيارات البديلة عن دير الزور كثيرة للتنظيم، وان كان هناك من يرجح انسحابه الى البادية السورية، التي يسيطر على معظمها باستثناء بعض المناطق في القلمون الشرقي، وهذه البادية متصلة بصحراء الأنبار العراقية وتحاذي معظم المدن السورية حماة حمص دير الزور حلب الرقة درعا السويداء وحتى دمشق، فيتحول بذلك الى "قاعدة 2"، وأشبه بشبكة إرهابية عابرة للحدود على شكل مجموعات منتشرة في معظم دول العالم تتحرك عندما تناسبها الظروف.
ويطرح معنيون بملف "داعش" سيناريو آخر ممكن أن يلجأ اليه التنظيم يتحدث عن تمدده الى دول وأقاليم جديدة، فطوال السنوات الماضية عمل التنظيم الارهابي على تكوين تجمعات له في غرب أفريقيا وشمالها، وليبيا، واليمن، وفي أجزاء من سيناء المصرية. حتى أنّه ضمّ مقاتلين من تنظيمات إرهابية منفصلة لصفوفه مثل تنظيم "بوكو حرام". ويتوقع أصحاب هذه النظرية ان تمدده قد يكون متاحا في الجزائر وليبيا.
أما ما هو مؤكد، فسياسة "داعش" في المراحل المقبلة في سوريا والعراق وبشكل رئيسي ستعتمد على تفجير السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وعمليات الاغتيال لاطالة أمد الصراع قدر الامكان وبالتالي ضمان استمراريته، من منطلق أنّه حتى ولو فقد مناطق سيطرته ووصل للانهيار التام، فالخطر الأكبر الذي سيبقى كامنا يندرج في فكره الذي غزا معظم دول العالم.